فصل: (سورة الحجرات: آية 16).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحجرات: آية 12].

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}.

.الإعراب:

(يأيّها الذين آمنوا) مرّ إعرابها مفردات وجملا، (من الظنّ) متعلّق بنعت لـ (كثيرا)، (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة في الموضعين (تجسّسوا) مضارع مجزوم محذوف منه إحدى التاءين (الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (أن) حرف مصدريّ ونصب (ميتا) حال من أخيه منصوب (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر، و(الواو) في (كرهتموه) زائدة إشباع حركة الميم..
جملة: {اجتنبوا} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {إنّ بعض الظنّ إثم} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {لا تجسّسوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {لا يغتب بعضكم} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {يحبّ أحدكم} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {يأكل} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
والمصدر المؤوّل (أن يأكل..) في محلّ نصب مفعول به.
وجملة: {كرهتموه} في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا..
والجملة الاسميّة جواب شرط مقدّر أي إن لم تحبّوا ذلك فهذا كرهتموه.
وجملة: {اتّقوا اللّه} لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي فاكرهوا الظنّ والتجسّس والغيبة واتّقوا اللّه.
وجملة: {إنّ اللّه توّاب} لا محلّ لها استئنافيّة.

.البلاغة:

1- التنكير: في قوله تعالى: {كَثِيرًا}.
حيث أن مجيئه نكره يفيد معنى البعضية، وإن في الظنون ما يجب أن يجتنب من تبيين لذلك ولا تعيين، لئلا يجترئ أحد على ظنّ إلا بعد نظر وتأمّل، وتمييز بين حقه وباطله، بأمارة بينة، مع استشعار للتقوى والحذر ولو عرّف لكان الأمر باجتناب الظنّ منوطا بما يكثر منه دون ما يقل. ووجب أن يكون كل ظنّ متصف بالكثرة مجتنبا، وما اتصف منه بالقلة مرخصا في تظننه.
2- الاستعارة التمثيلية: في قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}.
في هذه الآية الكريمة تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه.
وفيه مبالغات شتى، منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخا، ومنها أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتا.

.الفوائد:

- تحريم الغيبة:
دلت هذه الآية على تحريم الغيبة، فقد ورد عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما الغيبة. قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قلت: وإن كان في أخي ما أقول. قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته».
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته». عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم ولحومهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
وقد نزلت هذه الآية في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين، يخدمهما ويأكل معهما. فكان سلمان مع رجلين يخدمهما، فغلبته عيناه، فلم يهيئ لهما طعاما، قالا: انطلق إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاطلب لنا منه طعاما، فجاء سلمان، فسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمر أسامة أن يلتمس له طعاما، فلم يجد، فرجع إليهما، فقالا: بخل أسامة، فبعثاه إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد شيئا، فلما رجع قالا: لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها. ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة طعام أم لا، فلما جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لهما: «مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟» قالا: يا رسول اللّه ما تناولنا يومنا هذا لحما، قال: «ظللتما تأكلان من لحم سلمان وأسامة»، فنزلت هذه الآية.

.[سورة الحجرات: آية 13].

{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}.

.الإعراب:

{يأيّها الناس} مثل {يأيّها الذين}، والمتابعة هنا لفظيّة (من ذكر) متعلّق بـ (خلقناكم)، (شعوبا) مفعول به ثان منصوب (اللام) للتعليل- أو لام العاقبة- (تعارفوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وحذف منه إحدى التاءين..
والمصدر المؤوّل (أن تعارفوا..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جعلناكم).
(عند) ظرف منصوب متعلّق بـ (أكرمكم)..
جملة: {النداء} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {إنّا خلقناكم} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {خلقناكم} في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: {جعلناكم} في محلّ رفع معطوفة على جملة خلقناكم.
وجملة: {تعارفوا} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: {إنّ أكرمكم} {أتقاكم} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {إنّ اللّه عليم} لا محلّ لها استئنافيّة.

.الصرف:

(شعوبا)، جمع شعب، اسم جمع لمجموع الناس، قيل سمّي بذلك لتشعّب القبائل منه، وزنه فعل بفتح فسكون، ووزن شعوب فعول بضمّ الفاء.
(قبائل)، جمع قبيلة زنة فعيلة، اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وهم بنو أب واحد.
(أكرمكم)، اسم تفضيل من الثلاثيّ كرم، وزنه أفعل.
(أتقاكم)، اسم تفضيل من الثلاثيّ وقى، وزنه أفعل وفيه إبدال الواو تاء جريا على الإبدال في الخماسيّ.. ثمّ بقي القلب، والأصل أوقى. أو هو من الثلاثيّ تقى يتقي باب ضرب تقى- بضمّ التاء- وتقاء- بكسرها- وتقية.. بمعنى اتّقى، فالإبدال حاصل من الأصل بدءا من الثلاثيّ أو لا إبدال أصلا، انظر مزيد شرح وتفصيل في الآية (13) من سورة مريم في كلمة (تقيّ).

.[سورة الحجرات: الآيات 14- 15].

{قالتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قولوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}.

.الإعراب:

(الواو) عاطفة (لكن) للاستدراك لا عمل له (الواو) حاليّة (يدخل) مضارع مجزوم بـ (لمّا)، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين (في قلوبكم) متعلّق بـ (يدخل)، (الواو) عاطفة- أو استئنافيّة- (لا) نافية (يلتكم) مضارع مجزوم جواب الشرط (من أعمالكم) متعلّق بـ (يلتكم)، (شيئا) مفعول به ثان منصوب..
جملة: {قالت الأعراب} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {آمنا} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {قل} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {لم تؤمنوا} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {قولوا} في محلّ نصب معطوفة على جملة لم تؤمنو.
وجملة: {أسلمنا} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {لمّا يدخل الإيمان} في محلّ نصب حال.
وجملة: {تطيعوا} في محلّ نصب معطوفة على جملة لم تؤمنوا.
وجملة: {لا يلتكم} لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: {إنّ اللّه غفور} لا محلّ لها تعليليّة.
15- (إنّما) كافّة ومكفوفة (الذين) موصول في محلّ رفع خبر المبتدأ (المؤمنون)، (باللّه) متعلّق بـ (آمنوا)، (بأموالهم) متعلّق بـ (جاهدوا)، (في سبيل) متعلّق بـ (جاهدوا)، (هم) ضمير فصل.
وجملة: {المؤمنون الذين} لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة: {آمنوا} لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: {لم يرتابوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: {جاهدوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: {أولئك} {الصادقون} لا محلّ لها استئناف مقرّر لمضمون ما سبق.

.الصرف:

(يلتكم)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم، فهو مضارع المعتلّ المثال، ولته بمعنى نقصه، وزنه يعلكم بفتح فكسر فسكون.

.البلاغة:

فن الاستدراك: في قوله تعالى: {قالتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قولوا أَسْلَمْنا} حيث استغنى بالجملة التي هي لم {تؤمنوا} عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل: ولكن أسلمتم، ليكون خارجا مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم {آمنا} كذلك، ولو قيل: ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به.

.الفوائد:

- (لما) النافية الجازمة..
وهي تختص بالمضارع، فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا، كلم، إلا أنها تفارقها في خمسة أمور:
1- أنها لا تقترن بأداة شرط فلا يقال: إن لما تقم، وفي التنزيل {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا}.
2- إن منفيّها مستمر النفي إلى الحال كقول الممزق العبدي:
فإن كنت مأكولا فكن خير ** آكل وإلا فأدركني ولما أمزّق

ومنفي لم يحتمل الاتصال نحو قوله وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. ولهذا جاز أن تقول: لم يكن ثم كان، ولم يجز لما يكن ثم كان، بل تقول: لما يكن وقد يكون.
3- أن منفي لما لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفي لم.
تقول: لم يكن زيد في العام الماضي مقيما.
4- أن منفي لما متوقع ثبوته، بخلاف منفي لم، ألا ترى أن معنى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم له متوقع قال الزمخشري، في قوله تعالى وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ: لما كان في معنى (لما) التوقع دلّ على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، ولهذا أجازوا لم يقض ما لا يكون ومنعوه في (لما) وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في نفي المتوقع وغيره، ومثال المتوقع أن تقول: مالي قمت ولم تقم، أو ولما تقم. ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء: لم تقم، أو لما تقم.
5- أن منفي (لما) جائز الحذف كقول ذي الرمة:
فجئت قبورهم بدءا ولما ** فناديت القبور فلم يجبنه

أي ولما أكن بدءا قبل ذلك، أي سيدا. ولا يجوز: وصلت إلى بغداد ولم تريد ولم أدخلها.
وعلة هذه الأحكام كلها أن لم لنفي (فعل) ولما لنفي قد فعل.

.[سورة الحجرات: آية 16].

{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ (16)}.

.الإعراب:

(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (بدينكم) متعلّق ب (تعلّمون)، (الواو) حاليّة (في السموات) متعلّق بمحذوف صلة ما، وكذلك (في الأرض) للموصول الثاني (بكلّ) متعلّق بالخبر (عليم).
جملة: {قل} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {تعلّمون} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {اللّه يعلم} في محلّ نصب حال.
وجملة: {يعلم} في محلّ رفع خبر المبتدأ (اللّه).
وجملة: {اللّه} {عليم} في محلّ نصب معطوفة على جملة الحال.

.[سورة الحجرات: آية 17].

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17)}.

.الإعراب:

(عليك) متعلّق بـ (يمنّون)، (أن) حرف مصدريّ.
والمصدر المؤوّل (أن أسلموا) في محلّ نصب مفعول به عامله يمنّون.
(لا) ناهية جازمة (عليّ) متعلّق بـ (تمنّوا)، (بل) للإضراب الانتقاليّ (عليكم) متعلّق بـ (يمنّ)، (أن) مثل الأول، (للإيمان) متعلّق بـ (هداكم)، (كنتم) ماض في محلّ جزم فعل الشرط..
والمصدر المؤوّل (أن هداكم..) في محلّ نصب مفعول به عامله يمنّ.
جملة: {يمنّون} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {أسلموا} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: {قل} لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة: {لا تمنّوا} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {اللّه يمنّ} لا محلّ لها استئنافيّة.